رسالة للمسلمين السويديين على إثر حرق المصحف.
كلّ مسلم سويدي يشعر بالخجل والحزن لما صدر عن إنسان لا دين له ولا خُلق وهو يتجرّأ على حرق المصحف أمام بيت من بيوت الله في يوم من أيام الله المفضلة.
المسلم السويدي يجد نفسه بين حبّه لكتابه ربّه ووطنه الذي يعيش فيه. وأريد بهذا الصدد أن أبيّن جُملة من الأشياء فإن أصبت فمن الله وإن أخطات فمن نفسي.
لقد حدثت أشياء كثيرة في السويد منذ أن أخذ اليمين المتطرف مساحة كبيرة في السياسية السويدية، ومُعظمها لا يخدم المسلمين في شيء. وللأسف انجرّ مع اليمين المتطرف أحزاب سويدية تقليدية عُرفت بانسانيّتها وانفتاحها على كل فئات المجتمع وتبنّت بدورها خطابا متشدّدا تجاه المسلمين يأخذ في بعض الأحيان منحى عنصريا، ولقد نتج على إثرها اغلاق مؤسسات إسلامية عديدة و تضرّر ناشطون مُسلمون خدموا وطنهم خلال أكثر من أربعة عقود.
واليوم تقف السويد أمام تحدي كبير بحيث أن صورتها في العالم الاسلامي في الحضيض بسبب أخطاء ارتكبت من قبل إعلاميين وسياسيين لا يفهمون السياسة ولا يفكرون في مصلحة الوطن، وانصاعوا لعقيدتهم العنصرية التي تربّوا عليها. وما يزيد الأمر تعقيدا أن الحزب الذي يقود الحكومة قد لا يوافق بشكل كامل على كلّ ما يحصل وهو فاقد للسيطرة، حيث تجد رئيس الحكومة نفسها يصدر عنه أقوال متضاربة في حرق المصحف، وأن وزير الخارجية يقوم بتصريح ورئيس أهم لجنة في البرلمان من الكتلة الحاكمة يصرح تصريحا مخالفا، عموما إن السويد تعيش اليوم تخبطا على مستوى القيادة بسبب تحكم اليمين المتطرف ثاني أكبر حزب في السويد في سياسة الحكومة.
وفي الاتجاه الآخر هناك فئات عديدة في السويد ترفض المساس بالمسلمين ومقدساتهم وقد أبدت رفضها لذلك وتواصلوا مع المسجد الذي أحرق أمامه المصحف وعبروا عن رفضهم وتعاطفهم معنا، ومن بينهم مؤسسات مسيحية ويهودية وأخرى تمثل بعض مؤسسات المجتمع المدني، وهناك أيضا مؤسسات رسمية لها نفس الموقف لكنها مُضطرّة للالتزام بسياسات الحكومة التي تخضع لقبضة اليمين المتطرف حكومة وبرلمانا.
وأمام هذا الوضع المعقد يجد المسلمون أنفسهم بين أمرين الأول رفضهم القاطع للمساس بقرآنهم، والثاني الوضع المتأزم الذي تعيشه السويد مع الدول المسلمة، ومن الجهة الأخرى شعورهم بالظلم الذي عاشوه منذ 2015 منذ صدور تقرير مؤسسة الأمن المدني السويدي (MSB rapport) في مقابل انتمائهم للوطن السويدي.
فكيف المخرج من كل هذا؟
يجب التعامل مع الأمور بعقلانية بعيدا عن النظرة الأحادية أو الغلو والتطرف في أحد الاتجاهين.
- لا يوجد أي مبرر لمثل هذا الفعل الشنيع، كما أن الجهات الرسمية أخطأت خطأ كبيرا عندما رفضت الشرطة منح التصريح ثمّ تأتي جهة قضائية (محكمة الاستئناف) لتُلغي رفض الشرطة وموقفها.
- يرفض المسلمون هذا التصرف الشنيع ويدعون المؤسسات الرسمية لتحمل مسؤوليتها في تبني موقف واضح تجاه المقدسات الإسلامية بعيدا عن الحسابات السياسية. كما تدعوها إلى كبح جماح كل من يتطاول على المسلمين السويديين ووضع حد للإسلاموفوبيا التي ازدادت حدتها في السنوات الأخيرة.
- أما فيما يتعلق بمسلمي السويد فيجب أن يقفوا مع وطنهم ولا يأخذوا مُعظم السويديين الذين يرفض معظمهم هذا التصرف بجريرة فئة صغيرة متعصبة ومتسلطة على الحكومة. وبناء على ذلك فيجب على المسلمين السويديين ألا تأخذهم العاطفة وينجروا إلى معاداة وطنهم فيكتبوا أشياء تضر بوطنهم خارج السويد، وأن يسعوا لتوضيح واقع السويد السياسي حتى نقلل من حجم الهجمة التي يتعرض لها السويد خارجيا.
- وفيما يتعلق بالمقاطعة، لا أظن أن مسلما سويديا يدعو لمقاطعة وطنه، وعلى كل من لديه علاقات أن يسعى لتوضيح ما تمر به السويد بسبب سياسيين فقدوا البوصلة السياسية.
- هذا ويجب أن يسعى المسلمون السويديون بكل ما يملكون لتعميق العلاقات مع كل الفئات للضغط على الحكومة حتى تصدر قانونا يجرم الإساءة للمقدسات الإسلامية وغيرها، وأخرى لوضع حدّ للإسلاموفوبيا التي يعاني منها فئة كبيرة من مسلمي السويد.
وهكذا سنكون قد جمعنا بين الولاء لديننا ووضع حدّ للمهزلة التي نعيشها، والدفاع عن وطننا بما نستطيع وليس في ذلك تضارب.
كما أن المسلم بهذا التصرف يثبت أنه صاحب مبدأ وأن وطنيته أقوى من وطنية بعض أصحاب المصالح الذين يتواجدون في مواقع حكومية والذين لا يراعون مصلحة الوطن.
وفي الختام أسال الله أن يبعد عن البشرية شر الأشرار وأن يعمّ الإخاء والسلام والأمن والأمان في وطننا وأن يحفظ ديننا ومقدساتنا وأسرنا من كل سوء.
والله من وراء القصد.
شكيب بن مخلوف
الرئيس الأسبق لمجلس مسلمي أوروبا
سويدي من أصول مغربية يقيم في السويد منذ ما يزيد عن الأربعة عقود