د. أمين القاسم – باحث في تاريخ المنطقة
حُرِم المسلمون في أوكرانيا على مدار عقود من الزمان أيام الحكم السوفييتي من حرية إصدار جرائدهم ومجلاتهم الخاصة بهم ، ولكن بعد عودة مسلمي تتار القرم من منفاهم، واستقلال أوكرانيا عام 1991م، وكذلك بعد تأسيس الإدارات الدينية وبعض الجمعيات الإجتماعية والخيرية والمؤسسات الإسلامية بدأت تنشط حركة الصحافة في عدد من المناطق والمدن التي تقطنها كثافة سكانية مسلمة.
لقد أدرك المسلمون أهمية الصحافة في تعليم الإسلام ونشر الوعي وتصحيح المفاهيم وغرس القيم، لذا نجد تنوع في الصحف والمجلات الصادرة في عقد التسعينيات من القرن الماضي من حديث المواضيع السياسية، والثقافية، والاجتماعية والدينية، كذلك كتبت هذه الصحف بلغات الأقليات المسلمة الروسية والقرمية التترية والعربية، وفي هذا التناول الإعلامي السريع سنلقي الضوء على تجارب المسلمين في هذا المجال.
جرائد ومجلات باللغة الروسية:
انطلقت الصحافة الورقية للتعبير عن صوت مسلمي أوكرانيا، واندفع بعض رجال الصحافة –العائدون حديثا من أوزبكستان- من قومية شعب تتار القرم حتى قبل استقلال أوكرانيا بعامين لإصدار جريدة تسمى”القرم” في يوليو عام 1989م، وهي صحيفة سياسية ثقافية منوعة، تختص بنشر أخبار شعب تتار القرم بالدرجة الأولى، وفيها صفحة خاصة بالإسلام تحت عنوان “الإسلام نور”. وفي نفس العام صدرت أيضا مجلة “قاصيفيت” تعنى بالبحوث والدراسات التاريخية للقرم والتتار.
ثم صدرت في مدينة بغشسراي جريدة “أفديت” أي العودة في 15 يونيو عام 1990م، وهي جريدة ناطقة باسم الحركة القومية التترية القرمية، تهتم بالكتابة عن قضايا سياسية واجتماعية خاصة بتتار القرم، تصدر باللغة الروسية.
وفي عام 1992م صدرت في القرم أيضا جريدة “ياني دونيا” أي العالم الجديد باللغة القرمية التترية، وهي صحيفة ثقافية اجتماعية سياسية، تسلط الضوء على أعراف وتقاليد شعب تتار القرم، وتحمل تجربة جرائدة تترية عديدة صدرت من قبل في المنفى.
أما أول جريدة دينية إسلامية المحتوى في أوكرانيا فهي جريدة “البيان” الشهرية باللغة الروسية في أكتوبر 1993م صدرت عن المركز الثقافي الإسلامي لتتار الفولغا بمدينة كييف، بخمسة آلاف نسخة، وقد نشرت سلسلة مقالات تعريفية عن أركان الإسلام والإيمان وأخبار مسلمي أوكرانيا والعالم، رأس تحريرها رشادت سيفودينوف، واستمرت بالصدور حتى عام 2002م، وكانت توزع مجانا.
ثم صدرت جريدة “هدايت” في نوفمبر لعام 1993م لسان حال الإدارة الدينية لمسلمي القرم في مدينة سيمفروبل باللغتين القرمية التترية والروسية، رأس تحريرها الصحفي زاكير كورتنيزير، اهتمت بنشر المقالات الفقهية وتفسير بعض نصوص القرآن والأحاديث النبوية وعرض قضايا تخص مسلمي أوكرانيا عموما و تتار القرم خصوصا، وما زالت تصدر حتى الآن.
جريدة “صوت القرم” صدرت عام 1993م في مدينة سيمفروبل باللغتين الروسية والقرمية التترية سياسية ثقافية منوعة.
ثم صدرت في كييف جريدة “ميناريت” في آذار/مارس 1994م، باللغة الروسية عن الإدارة الدينية لمسلمي أوكرانيا، وهي تتبع جماعة الشيخ عبد الله الهرري، المعروفون باسم الأحباش.
وأصدرت الجمعية الإسلامية بمدينة بولتافا جريدة “أذان” المسجلة رسميا في 25 ديسمبر 1995م باللغة الروسية بأربع صفحات من القطع الصغير وبألف نسخة شهريا. ثم توقفت وأصدرت الجمعية جريدة “إيمان” في يونيو من عام 1996م بالقطع الكبير وب 1500 نسخة.
وفي ديسمبر عام 1997 صدرت من مدينة دونيتسك جريدة “يدينستفا” أي الوحدة عن الحزب الإسلامي الأوكراني، ثم أصدر الحزب جريدته “ناش دوم أوكراينا” أي (أوكرانيا بيتنا) عام 1998م باللغة الروسية.
عن اتحاد المنظمات الإجتماعية “الرائد” في أوكرانيا صدرت جريدة “الرائد” باللغة الروسية وهي صحيفة شهرية إخبارية فكرية اسلامية منوّعة، توزع بالمجان. العدد الأول منها ظهر في 23 ديسمبر/ رمضان من عام 1998م في العاصمة كييف، بأربع آلاف نسخة، بعد عام زاد عدد نسخها المطبوعة إلى 7000 عدد ثم إلى 10 آلاف نسخة، وتوزع في جميع مناطق أوكرانيا. كتب فيها نخبة من المفكرين الإسلاميين والمستشرقين الأوكران والتتار.
نقلت صحيفة “الرائد” أخبار وبرامج ومناشط المسلمين في أوكرانيا، وعالجت القضايا الإسلامية والإجتماعية بنظرة إنسانية وسطية شاملة.
استمرت الجريدة في الصدور 17 عاما ( 1998- 2015م)، وتوقف صدورها بسبب اعتماد القرّاء على الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات الحديثة.
مجلة “يلدز” أي النجم صدرت في مدينة سيمفروبل عام 1998م وهي مجلة أدبية ثقافية باللغة القرمية التترية صدرت في المهجر في أوزبكستان عام 1976م.
كما وظهرت عدد من الأوراق باللغة الروسية في سيمفروبل ودونتسك ومدن أخرى، بشكل متقطع بعناوين: الإيمان، نادي الشباب المسلم، وغيرها.
جرائد أوكرانية باللغة العربية:
سعت بعض المؤسسات العربية والدينية لإشباع الرغبة الثقافية لدى الجالية العربية في أوكرانيا من خلال إصدار بعض الورقات والجرائد والتي تهتم بأخبار الجالية وتقدم معلومات دينية وثقافية منوعة.
فصدرت عام 1995م عن الإدارة الدينية لمسلمي أوكرانيا جريدة “المنار”، سعت للدعاية لنفسها من خلال عرض أخبارها أنشطة وأفكار شيوخ جماعة الأحباش في أوكرانيا وروسيا والعالم.
وقد نشط الطلبة العرب في بعض المدن بإصدار دوريات صغيرة باللغة العربية، بهدف نشر الوعي الديني بين الطلبة المسلمين وتذكيرهم ببعض المناسبات الدينية، كمجلة المنار في مدينة خاركوف منتصف التسعينيات، ومجلة “الوقائع” في كييف عام 1996م، أصدرتها “إدارة العمل الدعوي” بكييف، وهي مجلة رسمية حوت مقالات سياسية واجتماعية منوّعة صدر منها أربعة أعداد فقط، ثم صدرت نشرة واحدة تحت عنوان “صوت أوكرانيا”، ثم مجلة “النور” (مجلة دورية جامعة) في أوائل عام 1997م، والتي صدرت لمدة عام واحد فقط قبل إصدار صحيفة الرائد.
ثم ارتقى الدعاة الطلبة إلى إصدار جريدة دورية توزع على جميع مناطق ومدن أوكرانيا، فكانت فكرة جريدة “الرائد” باللغة العربية في نفس عام تسجيل اتحاد المنظمات الاجتماعية “الرائد” عام 1997م، ولكن تم تأخير صدورها لمطلع العام القادم.
صدر العدد التجريبي منها في 28 / 1 / 1998م، وكتب على صدرها : “وكذلك جعلناكم أمّة وسطا لتكونوا شهداء على الناس” صحيفة الرائد: سياسية، اجتماعية، اقتصادية، شاملة، صحيفة نصف شهرية تصدر عن اتحاد المنظمات الاجتماعية الرائد، وصدرت بداية ب 16 صفحة، ثم بعد ب 12 صفحة.
أما العدد الأول فقد صدر في 20 / 2 / 1998م، المقالات السياسية في الجريدة كان يكتبها أحد الطلبة، والذي كان يدرس في العلوم السياسية، أما باقي المقالات كان يجمعها رئيس التحرير من الطلبة كلٌّ حسب ميوله ومشاركته، إضافة لتغطية الجريدة لنشاطات إتحاد الرائد وجمعياته. هذا وتعتبر جريدة الرائد باللغة العربية أول صحيفة رسمية ناطقة بالعربية في أوكرانيا.
خلاصة هذه الدراسة الموجزة لتاريخ صحافة مسلمي أوكرانيا في عقد التسعينيات:
1- كان للصحفيين القرميين التتار منذ مطلع التسعينيات نشاط ملحوظ في عالم الصحافة في مجالات مواضيع متنوعة.
2- لم تصدر أي جريدة للمسلمين في أوكرانيا في مرحلة التسعينيات باللغة الأوكرانية، وذلك لأن اللغة الأوكرانية كانت ضعيفة في البلاد ومسلمي أوكرانيا يتحدثون بلغاتهم المحلية إضافة للروسية.
3- كذلك لم يكن هناك إستقرار لعدد كبير من هذه الجرائد لظروف مادية وسياسية ثم بسبب الثورة الإلكترونية لاحقا.
4- أغلب جرائد المسلمين باللغة الروسية محدودة الإنتشار في بعض الأقاليم والمقاطعات عدا جريدتي الرائد والبيان ونوعا ما هدايت.
5- الجرائد الدينية كانت توزع بالمجان، أما المجلات والجرائد القرمية فكانت تعتمد على البيع والاشتراكات لتغطية نفقات الطباعة.
6- الصحف العربية التي استمرت في الصدور بشكل دوري منتظم هما: الرائد، والمنار فقط.
7- كما نلاحظ أنه وحتى منتصف التسعينيات كانت الجرائد الصادرة في الجمهوريات الإسلامية بروسيا توزع في أوكرانيا بين مسلميها.
8- حرصت العديد من هذه الجرائد على نشر مواقيت الصلاة الشهرية وإمساكية رمضان والتقاويم السنوية مع مواعيد أعياد المسلمين.
أخيرا، لعل هذه الدراسة السريعة تفتح الباب لدراسة علمية أوسع حول جهود مسلمي أوكرانيا في مجال الصحافة، ولا شك أيضا أن هذه التجارب والمبادرات الصحفية لمسلمي أوكرانيا هيأت فيما بعد لإنطلاق مواقع وصفحات إلكترونية مميزة مع بداية القرن الحالي كنواة للإعلام الإسلامي في أوكرانيا.
أوكرانيا برس