أكد رئيس عبد الله بن منصور رئيس مجلس مسلمي أوروبا، أن المسلمين في أوروبا محظوظون لأنهم يعيشون في دول تحكمها قوانين وأنظمة ديمقراطية، وأن النزعات اليمينية المتطرفة ذات الخلفيات السياسية المعلومة، بدأت بالانحسار على الرغم من كل الدعم المقدم لها.
وأوضح ابن منصور في حوار مع “عربي21”، أن مسلمي أوروبا لم يعودوا مهاجرين عابرين، وإنما هم جزء أصيل من الدول الأوروبية، وأن مرجعيتهم الدينية التي تربطهم بالمسلمين في كل أنحاء العالم، ليس لها أي تبعات تنظيمية.
ونفى ابن منصور أي علاقة تنظيمية لمجلس مسلمي أوروبا بتنظيم الإخوان المسلمين، معتبرا أن هذه الاتهامات ليست إلا محاولة لإضعاف الوجود الإسلامي في أوروبا.
وهذا نص الحوار:
س ـ لنبدأ من موقفكم الأخير بشأن شهر رمضان والاخذ بالحساب الفلكي والإعلان عن موعد انطلاق رمضان ونهايته.. هل تعتقد أن هذا الجهد سينهي الخلافات التقليدية بين مسلمي أوروبا حول بداية ونهاية شهر رمضان؟
ـ بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.. نغتنم هذه الفرصة لتقديم تهانينا بقدوم شهر رمضان المبارك.
الحقيقة نتمنى أن اعتمادنا للحساب ينهي الخلاف ولكن لن يكون ذلك بهذه السهولة وبهذ السرعة، لأنه ـ للأسف ـ تحديد بدايات الشهور القمرية لا يخضع لقضايا علمية موضوعية مجردة ولكن يخضع في كثير من الأحيان لقرارات سياسية لبعض الدول. والكثير من أتباع هذه الدول يفضل أتباع دولته حتى وإن كان ذلك يخالف المعلومات والمعطيات العلمية.
وأذكر أنني سنة 2015 شاركت في مؤتمر عالمي في استنبول لتحديد بدايات الشهور القمرية وكاد المؤتمر أن ينتهي بالفشل ولا نصل إلى حل، ومن فضل الله علينا ألهمني الله سبحانه وتعالى مداخلة كانت هي آخر مداخلة وحسمت الخلاف وأنقذنا المؤتمر واتفق الحاضرون، أكثر من 500 عالم من كل الدول الإسلامية على مستوى وزراء الشؤون الدينية وعلى مستوى وفود رسمية، واتخذ قرار بالتصويت بالأغلبية الساحقة أكثر من 80 % حتى تعتمد بدايات الشهور القمرية حسب الحساب الفلكي. والحساب الفلكي إما أن نحدد بداية الشهر مباشرة بعد القران، أي اللحظة الفلكية الواحدة للعالم كله، وهي معروفة عندما يكون القمر والأرض والشمس في نفس الخط، هذا يعتبر القران، وعندما يبدأ القمر بالإنزلاق قليلا يسمى المحاق عند ذلك نبدأ بداية الشهر..
وذلك يُنهي الخلاف نهائيا ولكن نظرا لأن اغلب المسلمين يعتمدون على تأويل لحديث النبي صلى الله عليه وسلم “صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته”، ففضلنا أن نعتبر بداية الشهر من اللحظة التي يمكن فيها رؤية الهلال، حتى وإن لم يُرَ، ولكن من الناحية العلمية يمكن رؤيته في أي نقطة من بلاد العالم، فإذا أمكن ذلك من الناحية العلمية عندها نقرر أن اليوم التالي هو أول يوم في الشهر الجديد.
والحقيقة قضية الرؤية، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، واضح تماما أن الرؤية هنا تعني العلم، ولا تعني بالضرورة الرؤية البصرية، لأنها لو كانت تعني بالضرورة الرؤية البصرية لوجب على كل المسلمين أن يروه، ولكن بما أنه يكفي أن يراه شاهد عدل حتى يخبر الآخرين، إذن أصبحت الرؤية هي العلم به ولو رآه واحد فقط. فإذا ثبت لدينا نحن اليوم بالطرق والآلات العلمية إمكانية الرؤية حتى وإن حجب علينا بغمام أو بسحاب، يمكن أن يحدد.. وهذه المرحلة المتوسطة هي مرحلة توافقية..
الآن أغلب مسلمي أوروبا هذه السنة، إن لم يكونوا كلهم، فلا نعلم إلى حد الآن خلافا، صاموا يوم الخميس 23 آذار (مارس) بهذا التحديد إن شاء الله، والمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث ذهب لهذا أيضا ونحن في مجلس مسلمي أوروربا ندعوا مؤسساتنا للإلتزام بهذا القرار الذي يخفف من الخلاف ولكن لن ينهيه تماما طلما كان القرار ببعض الإرادات السياسية ونسال الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا في السنوات القادمة إلى أن نتجاوز هذا الخلاف نهائيا لأن في ذلك خير للإسلام والمسلمين إن شاء الله.
س ـ هل هنالك أي توجهات عامة للمجلس للتعامل مع شهر رمضان، وخصوصا ما يتعلق بالمساجد سواء تعلق الامر بالإفطارات الجماعية أو صلاتي العشاء والتراويح؟
ـ نعم، الحمد لله في كل سنة وهذه السنة أيضا قسم الدعوة عندنا في مجلس مسلمي أوروبا أرسل رسالة للمؤسسات الإسلامية، وكثير من الدعاة المحاضرين عندنا ذكّروا كذلك المؤسسات والمراكز بهذا الأمر.. أغلب مراكزنا وأغلب مساجدنا تعد إفطارا جماعيا للاجئين وفي هذه السنوات الأخيرة كثر عددهم، وللطلاب المحتاجين ولكل المحتاجين من الأسر والأفراد في مختلف المدن الأوروبية. أغلب المساجد تعد إفطارات، فأمة محمد صلى الله عليه وسلم لا يزال فيها خير.. فكثير من الناس يتبرعون بالمال والطعام وحتى كثير من الأسر تأتي بالطعام للمساجد وفي أغلب المدن، حسب المعلومات التي لدينا، توزع المساجد فيها أكثر من مائة وجبة يوميا بل هناك بعض المساجد، وقد زرت بعضها، يوزع مئات الوجبات يوميا (300 ـ 500) وهذا في كافة الدول الأوروبية سواء الشرقية أو الغربية. وعندنا تعليمات للمسؤولين في المؤسسات أن ييسروا للمحتاجين أن يصوموا مع حفظ كرامتهم وأن لا يبقوا في الاحتياج.
أما بالنسبة لصلاتي العشاء والتراويح، طبعا هذه الأيام تتيسر دون حرج شديد، ولكن في السنوات التي يكون فيها رمضان في فصل الصيف وتكون فيه صلاة العشاء قد تأخرت، فكثير من علمائنا افتوا بجواز صلاة التراويح بعد المغرب وليس بعد العشاء، فهي قيام ليل والليل يدخل من المغرب إلى الفجر ويمكن كذلك الجمع وكثير من مسجادنا في أوروربا الشمالية والغربية يجمعون بين صلاة المغرب والعشاء تيسيرا على الذين يشتغلون في الصباح الباكر حتى يتمكنوا من أخذ قسط من الراحة. فأئمتنا وأهل الفتوى عندنا وعلماؤنا هم في خدمة الوجود المسلم في أوروبا لتيسير القيام بشعائرهم سواء الصيام أو صلاة العشاء والتراويح والحمد لله رب العالمين.
س ـ يأتي رمضان هذا العام في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعيشها العالم جراء تداعيات الأوبئة والحروب والكوارث، هل لدى المجلس صورة واضحة عن مستوى تاثير ذلك على حال المسلمين؟
ـ من أيام قليلة التقى مجلس شورى مجلس مسلمي أوروبا والتقى المكتب الأوروبي وكثير من اللجان عندنا، وتبين لنا بوضوح أثر التضخم الذي أصاب العالم عموما والبلاد الأوروبية المختلفة خصوصا وظهر هناك غلاء في المعيشة، وفي الخدمات، وخاصة في المواصلات مما أثر على أوضاع مؤسساتنا.. ونحن نظن أن ذلك الغلاء سببه الأساسي الاحتكار، ولكن علقوا سبب ذلك على شماعة الحرب الروسية الأوكرانية وهذه الحرب ألقت بظلالها على الروس والأوكران أنفسهم. فهم أكثر المتضررين وخاصة الأوكران لأنهم انتقلوا من كثير من المدن والتقينا ببعضهم في تركيا وفي بولندا.
ولكن البلاد المجاورة لهم والتي نزح إليها بعض الأوكران هي التي تشعر بنوع من الثقل الأكبر. أما تداعيات وباء كورونا فبدأت ـ والحمد لله ـ تخف وبدأ الناس يعودون رويدا رويدا إلى عاداتهم قبل هذه الأزمة التي اجتاحت العالم لمدة سنتين.. والوضع الاقتصادي العالمي كله فيه نوع من الحرج والضغط على الناس جميعا.. والمسلمون في أوروبا هم كباقي المواطنين يشعرون بذلك الضغط.. كما ساهم المسلمون في أوروبا، مساهمات مشرفة، لتخفيف أثر الزلازل الأخيرة في تركيا وسوريا.. ونحن بفضل الله علينا يدفعنا ديننا إلى أن نتعاون ونتضامن وأن نعطي ونتصدق لتخفيف معاناة المحتاجين وسيستمر هذا الأمر إلى أن يكتب الله سبحانه وتعالى الفرج للناس جميعا إن شاء الله..
س ـ بالنسبة لمسلمي أوكرانيا والدول الأوروبية المحيطة بها، هل لديكم في المجلس صورة واضحة عن تاثرهم بمجريات الحرب على الارض؟
ـ في بداية الحرب لم نكن نعلم كم ستدوم وقد نزح كما قلت كثير من الأوكرانيين إلى البلاد المجاورة. وقد كنت في بولندا قبل أيام وأخبورني أن الأعداد الضخمة من الأوكارنيين، بمئات الآلاف، جاؤوا إلى بولندا ولكن لم يبقوا لأنهم أستعملوها كممر وتوجهوا إلى البلاد الأوربية الأخرى وكذلك في تركيا نزح عدد كبير منهم، ثم رجع بعضهم إلى أوكرانيا، ليس لاستقرار الوضع ولكن أصبحت الرؤية واضحة وتأقلم الناس مع ظروف الحرب.. ثم إن الحكومة استقبلت مساعدات كبيرة جدا وخاصة من أوروبا الغربية وهذا ساعد كثيرا في التخفيف من غلواء الحرب..
وكثير من البلاد المجاورة رأت أن الأوكرانيين الذين نزحوا إليها إما رجع بعضهم أو الكثير منهم غادر في اتجاه بلدان أوروبا الغربية مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا لأن هذه الدول قد أعدت برامج لاستقبالهم.. وبالتالي، الحرب لاتزال جاثمة وتؤثر على مجريات الأمور ولكن الظاهر أنه قد خفت وطأتها وأصبح الأوكران يتأقلمون مع الظروف الجديدة.. وأسأل الله تعالى أن يوقف هذه الحرب.. ولعل المبادرات الأخيرة التركية والصينية تجد حلا سلميا لأنهاء هذه الحرب إن شاء الله..
س ـ أخيرا فشلت مساعي في الدنمارك لمناقشة مسالة منع الحجاب الإسلامي في المدارس والمؤسسات، هل هذا يعني أن موجة اليمين المتطرف في أوروبا ضد الاسلام والمسلمين بدأت في الانحسار؟
ـ الحقيقة موجة اليمين المتطرف في أوروبا سببها ليس الوجود الإسلامي، سببها هو ضعف الثقة في المستقبل.. فبعد سقوط الشيوعية وترنح اللبرالية والرأسمالية، وبعد تراجع نسبي للمسيحية وعزوف المسحيين عن الكنائس وعن الطقوس الدينية يشعر الأوروبي عموما بنوع من الخوف من المستقبل..
وعندنا دورس من التاريخ، فدائما عندما ينتشر هذا الشعور من الخوف على الهوية يلجأ الناس للتطرف يسارا أو يمينا. فاليمين المتطرف هو يريد حماية هوية البلاد المختلفة من أوروبا أصلا. فأغلب اليمين ضد الاتحاد الأوروبي أساسا فهو يخشى على بلاده أن تذوب في الاتحاد الأوروبي ، وأغلب اليمين المتطرف هو ضد الوجود اليهودي عموما لأن تقاليدهم هكذا. ولكن هذا اليمين المتطرف تمّ توظيفه أو استغلاله من طرف كثير من الحكومات وبعض اللوبيات الموجودة، ليسعتمل ضد الوجود الإسلامي..
وللأسف الشديد حتى بعض البلاد الإسلامية، تيقن لدينا أنها موّلت كثيرا من الحملات الانتخابية لليمين المتطرف بشرط أن يعارض الوجود الإسلامي في أوروبا.. ورغم ذلك عندما يصل اليمين المتطرف للحكم يجد نفسه وجها لوجه أمام المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ما كان مهيأ لحلها فيتراجع ويترنح. ثم عندنا معلومات يقينية أن بعض البلاد الأوروبية تشتغل دبلوماسيتها لإقناع البلاد الأخرى لاتخاذ قرارات متطرفة وسن قوانين ضد الوجود الإسلامي ومظاهره كالحجاب وغيره، وتقوم حملات إعلامية ممولة من لوبيات مشبوهة للتشنيع على الحجاب أو المساجد أو على الأئمة، ثم بعد أيام أو أسابيع تخف هذه الحملة ويعود الناس لحياتهم الطبيعية.
ولا يمكننا أن نقول أن اليمين المتطرف في انحسار ولكن تبين بالتجربة أنه لا يتسطيع قيادة الدولة وقيادة الحكومة وبدأ يخسر من بريقه لدى الشعوب الأوروبية واقتنعت الكثير منها أن الوجود الإسلامي لا يشكل خطرا، ولكن الحملات المغرضة التي تمولها بعض الدول العربية وبعض اللوبيات داخل أوروبا هي التي تريد أن تجعل من الوجود الإسلامي خطرا ونحن نظن أن الرأي العام الأوروبي بدأ يخرج من هذا الفخ بفضل الله سبحانه وتعالى.
س ـ تداولت بعض وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرا معلومات عن اشتراككم في رعاية خلافة القائم باعمال مرشد الاخوان من ابراهيم منير الى صلاح عبد الحق.. ما هي حقيقة ذلك؟
ـ أنا قرأت أني اشتركت مع الاستاذ سمير فالح الأمين العام لمجلس مسلمي أوروبا في محاولة إصلاح بن جهات مصرية مختلفة وأننا شاركنا في اختيار القائم بالأعمال. هذا الكلام ليس له أساس من الصحة إطلاقا. نحن لم نشارك في أي لقاء من هذه اللقاءات للمصالحة بين مختلف التيارات المصرية المتواجدة في أوروبا. طبعا نأمل في الإصلاح ونتمنى ذلك، ولو طلب منا لعلنا كنا نشارك في إصلاح ذات البين، فهذا واجب ديني ولكن الحقيقة أننا لم نشارك في هذه اللقاءات وإنما هي اختلاقات لبعض المغرضين من الصحفيين ومن الجهات المشبوهة. ثم في النهاية هذا يتعلق بالوجود المصري..
وكل الذي حصل أني طلبت اللقاء مع بعض التنظيمات المهاجرة في تركيا بحكم أنه عندنا مؤسسة في تركيا عضو في مجلس مسلمي أوروبا، وسلامة الوجود الإسلامي في تركيا يؤثر على سلامة الوجود الإسلامي في باقي دول أوروبا.. ولما رأينا أن فيه أخذ ورد وفيه جذب وفيه نوع من الاضطراب، طلبت الالتقاء مع مسؤولي بعض هذه التنظيمات لكي نبلغها وجهة نظرنا الأوروبية.. وقد تمكنت من ذلك والحمد لله.. فقد حضرت في لقاء كان فيه مسؤولون عن سوريا ومصر وليبيا واليمن وعن العراق، فهذه البلاد هاجرت منها أعداد كبيرة إلى تركيا، وأخبرتهم أننا في مجلس مسملي أوروبا لا نسمح بأن تستعمل أوروبا كقاعدة، على الأقل في مؤسساتنا ومراكزنا، لمحاربة الحكومات والتبشير بالعنف أو التبشير بأعمال تخالف القوانين الأوروبية أو تخالف الشرع الإسلامي بنقض العهود، ونبهناهم إلى أننا سنكون حازمين جدا ولن نسمح لأي فرد أو أي مجموعة بأن تعمل مع أي مؤسسة من مؤسساتنا إذا لم تكن تحترم القوانين الأوروبية وتحترم لوائح وقوانين مجلس مسلمي أوروبا..
أما فيما يتعلق بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين أو التنظيم المصري، فنحن ليس لدينا أي ارتباط إداري وقد كررنا عدة مرات أننا مؤسسات أوروبية مسجلة في أوروبا ومجلس مسملي أوروبا هو مؤسسة أوربية بحتة لا يربطه بالمؤسسات الاسلامية العالمية الأخرى إلا رابط الأخوة ورابط المحبة والإسلام وليس لدينا أي روابط إدارية بأي تنظيم أو جماعة أو مؤسسة خارج أوروبا. وهذا الكلام ذكرناه وكررناه.
س ـ وهذه مناسبة للسؤال عن مرجعية المجلس الإسلامي الأوروبي، هل أنتم جزء من التنظيم الدولي للإخوان؟
ـ قد ذكرت هذا في جوابي على السؤال السابق.. نحن نتمنى وحدة المنظمات الإسلامية الكبيرة كلها.. ولكن انتماءنا إليها هو انتماء روحي، هو انتماء للأمة المسلمة.. نحن ننتمي لأمة الإسلام والمسلمين.. لكن الإنتماء الذي لعلكم تقصدونه، الانتماء الإداري أو التنظيمي، فأنا أؤكد أن مجلس مسلمي أوروبا هو مؤسسة أوروبية مستقلة لا تبرطها باي مؤسسة إسلامية أخرى في العالم الإسلامي إلا روابط التعاون والمحبة والأخوة مثل الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي، مثل الأزهر الشريف وغيرها من المؤسسات الإسلامية الكبيرة.. تربطنا بهم علاقات الأخوة والتعاون في القضايا الإسلامية الكبرى وليس عندنا أي ارتباط تنظيمي أو إداري أو سياسي لأية مؤسسة خارج أوروبا.
س ـ وهذه أيضا مناسبة للسؤال عن سبب استمرار الربط بين مسلمي أوروبا والمراجع الإسلامية في العالم العربي.. هل هذا الربط سليم؟
ـ الحقيقة أننا اكتشفنا من سنوات كثيرة أن هناك مخطط ، وهو يقيني طبعا، والمجال لا يسمح في تفصيل ذلك، يُراد به إضعاف الوجود الإسلامي في أوروبا عموما.. وإضعافه يكون بهذه الطريقة المتسلسلة: أن الإسلام يدعو للإرهاب، وأن الذي يدعو للإرهاب هو الإسلام السياسي، وأن الذي اخترع الإسلامي السياسي هي حركة الإخوان المسلمين وأن هذه المؤسسات الإسلامية في أوروبا تابعة للإخوان المسلمين.. والغرض، هو ضرب هذه المؤسسات وضرب هذا الوجود الإسلامي في أوروبا بحجة أنهم إخوان مسلمين وأن الاخوان المسلمين اخترعوا الإسلام السياسي وأن الإسلام السياسي اخترع الإرهاب.. فهذه الصورة دفعت لها ميزانيات ضخمة وجند لها صحفيون وإعلاميون و(متخصصون) لنشرها في الرأي العام الأوروبي..
وطبعا هذا اختلاق ليس له أساس من الصحة.. وبعض البلاد الأوروبية أيضا، تريد حكوماتها، للأسف، أن يظل المسلمون في بلادها مرتبطين ببلادهم الأصلية، إن كان عندهم بلاد أصلية.. ولكن هذا الأمر انتهى من 40 سنة لأننا نعيش الآن الجيل الرابع والخامس، فالذين أبوهم مثلا فرنسي وجدهم فرنسي، يشيرون رغم ذلك إلى أصلهم الجزائري أو المغربي أو المالي. في ألمانيا الجيل الرابع من الألمان لكن جده أو أبو جدهم من تركيا يريدون ربطهم بتركيا تعسفا، حتى يبقى الوجود الإسلامي في أوروبا ليس وجودا أوروبيا أصيلا ولكن هو وجود قادم مهاجر مرتبط ببلاد أخرى.. وبعض الحكومات الأوروبية تبشر بذلك وتدعو له زيادة على ما ذكرت من مخطط اللوبيات المغرضة، فلذلك يظل هذا الربط موجود في الإعلام ولكن في حقيقة الأمر هو لا يزيد عن أن يكون ربطا لوفاء الإنسان لبلده الأصلي أو بلد أجداده وهي محبة وجدانية قلبية وليس هناك أي ارتباط سياسي أو تنظيمي أو إداري بين أغلب المسلمين في أوروبا وبين البلدان الإسلامية المختلفة.
س ـ هل يؤثر هذا الربط على أوضاعكم القانونية في البلدان الأوروبية؟
ـ من فضل الله علينا أن أغلب البلاد الأوروبية بلاد قانون وتحترم القانون وحصل لنا أنه في أغلب الحالات، حتى لا أقول في كل الحالات، عندما تجور الحكومات وتتعدى وتظلم المؤسسات أو الأئمة والمساجد وتستند على بعض المعلومات أن هؤلاء يشتغلون لصالح جهات أخرى، فإن المحاكم الأوروبية تنصف الوجود الإسلامي وتحكم ببطلان هذه الإجراءات ولعل المثل في النمسا ليس ببعيد وقد أنصفت المحاكم النمساوية المسلمين ضد الإجراءات الحكومية فيما يُسمى بقضية “حملة الأقصر”، وكذلك حصل في بلاد أوروبية أخرى. ومرات تلجأ الحكومات للضغط على الأجهزة التابعة للحكومة مباشرة كمجلس دولة أو ولاة، عندما تنصف المحاكم العادية المسلمين وتسفه الحكومات، فتلجأ هذه الأخيرة لعدم احترام القانون وتقفز على القانون للنيل من المسلمين وقد حصل هذا في بعض بلاد أوروبا…
لكن عموما عندما يُراد استغلال هذا الرابط بين المسلمين والبلاد الأصلية للنيل من الوجود الإسلامي كثيرا ما تنصفنا المحاكم والمؤسسات الحقوقية في أوروبا بفضل الله تعالى.
س ـ هل لديكم في المجلس اي رسالة لمسلمي أوروبا في ظل الظروف الحالية؟ وأيضا للمسؤولين الأوروبيين عن كيفية التعامل معكم؟
ـ أبدأ بالمسؤولين الأوروبيين.. أقول لهم، أن الوجود الإسلامي في أوروبا هو وجود أصيل ومتجذر.. أولا عندنا الملايين من الأوروبيين الأصليين في بلاد البلقان وفي أوروبا الشرقية وفي روسيا وأوكرانيا.. هذه البلاد المسلمون فيها أصليون، يعني من قرون عديدة جدا.. ثانيا، المسلمون في باقي بلاد أوروبا الغربية هم الآن الجيل الرابع بل الجيل الخامس وأصبحوا مواطنين أوروبيين.. وعندنا جيلان لم يعرفوا وطنا غير أوروبا وإن كان بعضهم قد يزور في عطل الصيف بلاد أجداده أو آبائه.. ولكن الوجود الإسلامي في أوروبا هو وجود أصلي وأوروبي وحتى المهاجرين الذين قدموا في السنوات الأخيرة سينتهي بهم المطاف إلى أن يندمجوا في المجتمعات الأوروبية المختلفة، فأيها المسؤولون الأوروبيون إن الخير الخير في أن تتعاملوا مع المسلمين في أوروبا على أنهم مواطنون وتعطوهم كافة حقوق المواطنة فهم يقومون بكافة واجبات المواطنة..
أما بالنسبة للمسلمين، فأقول لهم، أن الحياة هي هكذا، فيها أيام فرح وأيام ترح.. نشاهد في السنوات الأخيرة بعد كورونا وشدة وطأة الحرب الروسية الأوكرانية، الغلاء والتضخم ثم التقلبات المناخية والزلازل والعواصف، نشهد نوعا من الاضطراب في الحياة وقد يضغط هذا على المسلمين كما على باقي الناس، فنقول لهم هذا يوم من الأيام، وتلك الأيام ندوالها بين الناس، ستنجلي هذه الأزمات بإذن الله تعالى وسيقل هذا الضيق ويختفي الظلام ويبزغ الضوء والفجر إن شاء الله.. والإسلام والمسلمون في أوروبا عموما بخير بفضل الله تعالى ونسأله عز وجل، أن يديم علينا هذه النعمة وأن يجنبنا الفتن والأزمات وأن يجعل بلادنا الأوروبية أمنا أمانا وسلما سلاما، وبإذن الله تعالى سيكون الغد أفضل من اليوم.. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد..