ميثاق المسلمين في أوروبا
ﻣﻨﺬ ﻣﻄﻠﻊ ﺳﻨﺔ 2000، ﺗﺪاول ﻣﺠﻠــــــــــﺲ ﻣﺴﻠـــــﻤﻲ أوروﺑــــــﺎ ﻟﻮﺿﻊ ﻣﺸﺮوع ﻣﻴﺜﺎق ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ أوروﺑﺎ، ﻳﺤﺪد ﻣﻨﻄﻠﻘﺎت ﻋﺎﻣﺔ ﻟﻠﻔﻬﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ، وﻳﺒﻴﻦ ﻗﻮاﻋﺪ ﻻﻧﺪﻣﺎج اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﻲ إﻃﺎر اﻟﻤﻮاﻃﻨﺔ.
وﻗﺪ ﺷﻜﻞ اﻟﻤﺠﻠﺲ ﻟﺠﻨﺔ ﻹﻋﺪاد اﻟﻤﺸﺮوع، اﻟﺬي ﺗﻤﺖ ﻣﻨﺎﻗﺸﺘﻪ ﻓﻲ ﻣﺆﺳﺴﺎﺗﻪ اﻟﻘﻴﺎدﻳﺔ، ﺛﻢ ﻋﺮض اﻟﻤﺸﺮوع ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻬﻴﺌﺎت اﻻﺳﻼﻣﻴﺔ الأوروﺑﻴﺔ، اﻟﺘﻲ اﺟﺘﻤﻊ ﻣﻨﺪوﺑﻮن ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﺪوة ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ ﺑﺮوﻛﺴﻞ ﻓﻲ ﻳﻨﺎﻳﺮ 2002.
ولقد تتالت الخطوات في هذا الاتجاه لتُتَوّج باعتماد “ميثاق مسلمي أوروبا” الذي تبنّته أكثر من 400 مؤسسة وجمعية إسلامية في أوروبا خلال مؤتمر “الأئمة والمرشدات الدينيات في أوروبا” والذي انعقد بالعاصمة النمساوية فيينا في الأيام 7-9 أبريل 2006، كما تمّ الإعلان عنه مجدّدا في ندوة صحفية في العاصمة البلجيكية بروكسل في بداية شهر يناير2008.
ﻣﺪﺧﻞ إﻟﻰ اﻟﻤﻴﺜﺎق
إن مهمّة هذا الميثاق هي تحديد عدد من المنطلقات والمبادئ، وفق قواعد الفهم الإسلامي العام وخصوصيات الواقع الأوروبي، ووضع أسس للتفاعل الإيجابي في المجتمع.
وإن من أبرز الدواعي التي تؤكد الحاجة إلى هذا الميثاق ما يلي:
- الرصيد الحضاري الإسلامي الذي أسهم في إثراء الحضارة الأوروبية والحضور الإسلامي العريق الذي يمثله المسلمون بالأخص في شرق أوروبا، مع الاستقرار الذي يشهده المسلمون اليوم في العديد من دول أوروبا الغربية.
- ضرورة ترسيخ قواعد المواطنة القائمة على المساواة والتكافؤ في الحقوق، والاعتراف بالمسلمين فئةً دينيّةً أوروبيّةً.
- ضرورة التقارب بين المسلمين في أوروبا لمواكبة نموّ الوحدة الأوروبية وتقدّمها.
- الحاجة إلى تدعيم قيم التفاهم وتعزيز السلم والرّفاه الاجتماعي، وتوطيد الاعتدال والتواصل الحضاري بعيداً عن كل اتجاهات الغلوّ والتهميش وإثارة الكراهية والعنصرية.
- الحضور العالمي للإسلام باعتباره أحد الأديان الكبرى، بما يملكه من رصيد روحيٍّ وحضاريٍّ وبشريٍّ هامٍّ، وما تستلزمه المصالح المشتركة من ضرورة التواصل والتقارب مع الآخر، يقتضي توطيد سبل التعاون وإشاعة العدل والسلام العالمي.
- تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام.
إن كل هذه الاعتبارات دعت المؤسسات الإسلامية الأوروبية، إلى وضع هذا الميثاق، الذي يُؤمَّل أن يعزّز دور الوجود الأوروبي المسلم رافدًا نافعًا، يفيد المجتمع الأوروبي ويفتح له جسوراً للتواصل مع البُعد الإسلامي في العالم.
ﻋﻨﺎﺻﺮ ﻣﻴﺜﺎق اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ أوروﺑﺎ
اﻟﻤﺤﻮر اﻷول: ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻠﻘﺎت اﻟﻔﻬﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ:
- يستند فهمنا للإسلام إلى أُسسٍ كليّة تقوم على الالتزام بقواعد ثابتة مستمدة من مصادر الإسلام الأصلية: القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، وذلك في إطار ما أجمعت عليه الأمة، مع مراعاة روح العصر، وخصوصيات الواقع الأوروبي.
- إنّ الفهم الذي يُعبّر عن روح الإسلام، هو الذي يقوم على مبدأ الوسطية المستصحب للمقاصد العامة لهذا الدين، وسطية تنأى عن الإفراط والتفريط، وتُؤلف بين هداية الوحي ونور العقل، وتراعي العدل في التوازن بين مطالب المادة ومطالب الروح عند الإنسان، وتنظر إلى الحياة نظرة متوازنة تجمع بين ابتغاء الآخرة والعمل للدنيا.
- إنّ الإسلام بمبادئه وأحكامه وقيمه تنتظمه مجالات ثلاثة، وهي: العقيدة: بأركانها الستة متمثلةً في الإيمان بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، والشريعة: من عبادات ومعاملات، ونظام الأخلاق: الذي يعطي معالم السَّير على طريق الخير، وهذه المجالات الثلاثة المترابطة تتكامل فيما بينها في منهج عام يهدف إلى جلب المصالح ودرء المفاسد لفائدة الإنسان، فرداً وجماعة.
- إنّ من الخصائص العامة للإسلام اعتباره للبُعد الإنساني العام، واتصافه بالمرونة في نظامه التشريعي، واحترامه للاختلاف الطبيعي بين الناس.
- إنّ الإسلام قد كرّم الإنسان واعتبره خليفة في الأرض، وإن هذا التكريم الإنساني يشمل جميع بني آدم رجالاً ونساءً دون تفريق، وإنّ من مقتضيات التكريم حماية الإنسان من كل ما يمسّ حياته أو كرامته أو يهدر طاقته العقلية أو يضعف صحته، أو يستغل ضعفه لهضم حقوقه أو الاعتداء عليه.
- إنّ الإسلام أولَى البُعد الاجتماعي اهتماماً خاصًّا، ودعا إلى الرحمة والتعاون والتكافل والأخوة. وإن هذه القيم الأخلاقية العامة مما يتأكد في حق الوالدين والأقارب والجيران، وفي حقّ الفقراء والمحتاجين والمرضى والمسنّين، من جميع بني البشر على اختلاف معتقداتهم وأصولهم.
- إنّ الإسلام ينادي بالمساواة الإنسانية بين الرجل والمرأة في إطار من الاحترام المتبادل، ويرى أن الحياة الإنسانية المتوازنة، هي التي تقوم على أساس التكامل والانسجام بين الرجل والمرأة، وينبذ كل فكر أو تصرّف ينتقص من المرأة أو يهضم حقوقها المشروعة، مهما كان لذلك من شواهد في بعض عادات المسلمين وتقاليدهم الخاطئة، والإسلام إذ يعترف للمرأة بدورها الضروري في المجتمع، يناهض استغلالها أو التعامل معها من منطلق أنها متاع للذة.
- يعتبر الإسلام أن الأسرة المتماسكة القائمة على آصرة الزواج بين الرجل والمرأة، هي المحضن الطبيعي والضروري لتنشئة الأجيال، وهي الأساس في سعادة الفرد واستقرار المجتمع. ومن هنا فإن الإسلام يؤكد على اتخاذ جميع التدابير والوسائل لتدعيم كيانها وحماية بنائها من كل الأسباب المؤدية إلى ضعفها أو تهميش دورها.
- إنّ الإسلام يحترم حقوق الإنسان وينادي بالمساواة بين جميع البشر، ويناهض كل أشكال الميز العنصري، ويُعْلي من شأن الحرية، كما يرفض الإكراه في الدين، ويعطي للإنسان حق الاختيار في اعتقاد ما يريد، وهو إلى جانب ذلك ينظر إلى الحرية نظرة متوازنة، فكل حرية ينبغي أن تحكمها قيم أخلاقية وتضبطها المسؤولية، حتى لا تتحول إلى اعتداء على الذات أو على الآخَر.
- إنّ الإسلام يدعو إلى التعارف بين الناس، وإلى الحوار والتواصل والتعاون بين الأمم والشعوب، من أجل تحقيق التعايش وضمان السلام العالمي. وإن مصطلح الجهاد الذي ورد في النصوص الإسلامية يعني بذل الجهد في طريق الخير انطلاقاً من إصلاح النفس، إلى إشاعة الحق والعدل بين البشر، وإن الجهاد بمفهوم القتال يُعدّ من الإجراءات التي قد تلجأ إليها الدولة ذات السيادة في حالة الدفاع المشروع لرد الاعتداء، وإن ما يقرره الإسلام في هذا المجال لا يختلف عما تُقرّه القوانين والمواثيق الدولية السائدة في العالم.
- إنّ المنهج الإسلامي يرفض العنف والإرهاب، ويناصر القضايا العادلة، ويُقرّ حق الناس جميعاً في الدفاع عن حقوقهم بالأساليب المشروعة، بعيداً عن الانحياز والظلم.
- إنّ الإسلام يدعو المسلم إلى الأمانة وإلى الوفاء بالعهود ويُحرّم عليه الخيانة والغدر، ويأمره بالإحسان في التعامل مع الناس، بل مع سائر الكائنات في هذا الكون.
- إنّ المنهج الإسلامي، انطلاقاً من قيمة الشورى واعتباراً لما توصلت إليه التجربة الإنسانية من رصيد من الخبرة في المجال السياسي والتشريع الدستوري، يُقرّ أسس النظام الديمقراطي القائم على حرية اختيار السلطات السياسية، واحترام مبدإ التعددية والتداول السلمي على السلطة.
- إنّ الإسلام يدعو الإنسان لاستثمار الكون الذي سُخّر لمصلحته استثمارًا يُراعي فيه المحافظة على البيئة وضرورة حمايتها من أسباب التلوّث والاندثار، ومن كل ما يؤدي إلى اختلال التوازن الطبيعي، كما يدعو إلى العناية بالمكوّنات الطبيعية، ويحثّ على الرفق بالحيوان، وينهى عن التبذير والإسراف.
المحور الثاني: الوجود المسلم في المجتمع
أوّلاً: أسس التعامل في الدائرة الإسلامية
- إنّ المسلمين في أوروبا، على اختلاف أصولهم العرقية والثقافية وعلى تنوع انتماءاتهم المذهبية والفقهية، يشكّلون في إطار ثوابت الإسلام، فئةً دينيّةً واحدة تجمعها الأخوة الإسلامية، كما يربط بينهم في كل بلد أوروبي، انتماؤهم إلى كيان وطني واحد، وكل تفرقة بينهم على أساس عرقي تعتبر منافية لقيم الإسلام الداعي إلى الوحدة الجامعة.
- إنّ المسلمين في أوروبا، انطلاقاً من مبادئ دينهم ومن مقتضيات مصالحهم المشتركة مدعوون للعمل على الالتقاء والتعاون فيما بينهم، وتنسيق الجهود بين مؤسساتهم وهيئاتهم، دون أن يمنع ذلك من إقرار طبيعة التنوّع بينهم، وذلك فيما تتسع له دائرة الإسلام العامة وفي إطار عقائده وأحكامه المجمع عليها.
- إنّ المسلمين في أوروبا، مع انتمائهم لأوطانهم الأوروبية وأولوية التزامهم بمقتضيات المواطنة، يحافظون في الوقت ذاته على تواصلهم مع جميع إخوانهم المسلمين، ويندرج هذا التواصل في إطار الصلة الطبيعية بين المنتسبين للدّين نفسه.
ثانيًا: في مقتضيات المواطنة
- إنّ المسلمين في أوروبا يحترمون القوانين والسلطات القائمة عليها، ولا يمنعهم ذلك، ضمن ما هو مكفول لجميع المواطنين، من الدفاع عن حقوقهم والتعبير عن آرائهم ومواقفهم أفراداً ومجموعات، وذلك فيما هو عائد إلى شؤونهم الخاصة كفئة دينية أو فيما يتعلق بالشأن العام كمواطنين، وإن ما قد يعرض من تباين بين ما تقتضيه بعض القوانين وبين ما يتّصل بجوانب دينية خاصة، فللمسلمين أن يتوجهوا إلى الجهات المعنية لمراعاة احتياجاتهم والوصول إلى الحلول المناسبة.
- إنّ المسلمين في أوروبا يلتزمون بمبدأ حياد الدولة فيما يتصل بالشأن الديني، حيث يقتضي ذلك التعامل العادل مع الأديان وتمكين معتنقيها من التعبير عن معتقداتهم وممارسة شعائرهم بشكل فردي وجماعي في المجال الخاص والعام، كما هو منصوص عليه في مواثيق حقوق الإنسان والأعراف الأوروبية والدولية، ومن هذا المنطلق فإن من حق المسلمين في أوروبا كفئة دينية أن يقيموا مساجدهم ومؤسساتهم الدينية والتربوية والاجتماعية الخاصة بهم، وأن يمارسوا عباداتهم، وأن يطبقوا مقتضيات دينهم في أمورهم الحياتية مما هو متعلق بخصوصياتهم في الطعام واللباس وغير ذلك.
- إنّ المسلمين في أوروبا، بصفتهم مواطنين أوروبيّين، يعتبرون أن من واجبهم أن يعملوا من أجل الصالح العام وأن يكون حرصهم على أداء واجباتهم كحرصهم على المطالبة بحقوقهم. وإن من مقتضيات الفهم الإسلامي السليم أن يكون المسلم مواطناً فاعلاً في الحياة الاجتماعية، منتجاً ومبادراً وساعياً لنفع غيره.
- إنّ المسلمين مدعوّون إلى الاندماج الإيجابي في مجتمعاتهم، اندماجًا يقوم على التوازن بين الحفاظ على هُويّتهم الدينية ومقتضيات المواطنة، وإن كل اندماج لا يعترف بحق المسلمين في الحفاظ على شخصيتهم الإسلامية وحقهم في أداء واجباتهم الدينية، لا يخدم في حقيقة الأمر مصلحة المسلمين ولا مصلحة مجتمعاتهم الأوروبية التي ينتمون إليها.
- إنّ المسلمين في أوروبا مدعوون إلى الانخراط في الشأن السياسي العام من منطلق المواطنة الفاعلة، إذ إن من أهمّ مقتضيات المواطنة الصالحة، المشاركة السياسية بدءًا من الإدلاء بالتصويت في الانتخابات إلى التعاطي مع الهيئات السياسية، ومما يشجع على ذلك انفتاح هذه الهيئات على جميع أفراد المجتمع وفئاته، انفتاحا يستوعب جميع الطاقات والأفكار.
- إنّ المسلمين في أوروبا، وهم يعيشون في مجتمعات متعددة المذاهب الدينية والفلسفية، يؤكدون احترامهم لهذه التعددية، وهم يعتقدون بأن الإسلام يقرّ مبدأ التنوع والاختلاف بين الناس ولا يضيق بواقع التعددية القائم بينهم، بل يدعو إلى التعارف والتعاون والتكامل بين أبناء المجتمع الواحد، واحترام الأديان والمقدّسات والرموز.
ثالثًا: ملامح الإسهام الإسلامي في أوروبا
- إنّ الإسلام بمبادئه الإنسانية العالمية يؤمن بالتقارب العالمي الذي يحترم حقوق الشعوب وخصوصياتها، ويلتزم بقواعد العدل في التبادل والتعاون بين الناس، بعيدًا عن كل أسباب الهيمنة والاستغلال. ومن هذا المنطلق، فإن المسلمين في أوروبا يدركون أن من واجبهم أن يُسهموا في توطيد العلاقة بين أوروبا والعالم الإسلامي، وأن من مستلزمات ذلك العمل على التخلص من الصورة النمطية السلبية بين الإسلام والغرب، من أجل بناء أواصر التواصل بين الشعوب والتفاعل المثمر بين الحضارات.
- إنّ الإسلام بما يملكه من رصيد للقيم الإنسانية والتجارب الحضارية، يمكنه أن يُسهم عبر الوجود الأوروبي المسلم في دعم مكانة القيم العامة التي تخدم مجتمعاتنا المعاصرة، كقيم العدل والحرية والإخاء والمساواة والتكافل، وتأكيد البعد الإنساني والأخلاقي في المجال الاجتماعي وفي مجال التقدم العلمي والتقني والاقتصادي، وإن في هذا الإسهام من الإثراء النافع ما تعود فائدته على الجميع.
- إنّ الوجود الأوروبي المسلم يُعتبر عنصرًا هامًّا لتحقيق التواصل والتعايش بين الأديان والمعتقدات المختلفة من خلال تفعيل الحوار الديني والفكري، الذي يدعو إليه الإسلام ويشجع عليه، وإن ذلك من شأنه أن يدعم مسيرة السلام العالمي.
- إنّ المسلمين في أوروبا من خلال رصيدهم الديني والثقافي ومن خلال وجودهم في مختلف البلاد الأوروبية يشكلون عامل دعم لجهود التقارب في إطار الوحدة الأوروبية، مما يجعل من أوروبا قطبًا حضاريًّا هامًّا، قادرًا بما يحمله من مكوّنات دينية وثقافيّة متنوّعة، على القيام بدور التوازن في العالم.